الجمعة، 9 سبتمبر 2011

وثيقة شرف للعمل الدعوي والوطني


أصدر عدد من رموز الإسلاميين “وثيقة شرف للعمل الدعوي والوطني”.. بعد أن عقدت جمعية“الفكر الوسطي للبحوث والدراسات”- والتي تبنت الدعوة للوثيقة – ثلاث ندوات لمناقشة طرحها لها.. وقد أشترك في صياغتها 36 شخصية إسلامية هم: 
“الدكتور/ محمد الأحمدي أبو النور، والدكتور/ أحمد غلوش، والدكتور/ صلاح الصاوي، والدكتور/ أحمد طه ريان، والدكتور/ محمود الصاوي، والدكتور/ عبد الفتاح إدريس، والدكتور/ محمد أبو ليلة، والدكتور/ عبد الله بركات، والدكتور/ سيد السيلي، والدكتور/ عبد الله الشرقاوي، والدكتور/ محمد هشام راغب، والشيخ/ أسامة حافظ، والمهندس محمد حسن الزغاوي، والأستاذ/ فاضل سليمان، والشيخ/ محمد حلمي، والدكتور/ محمد الحملاوي، والشيخ/ حسن أبو الأشبال، والدكتور/ ياسر عبد التواب، والدكتور/ عبد الحليم عويس، والدكتور/ طلعت عفيفي، والدكتور/ أحمد ربيع، والدكتور/ سعيد عبد العظيم، والدكتور/ محمد يسري إبراهيم، والشيخ/ عبد المنعم الشحات، والشيخ/ محمد عبد العزيز أبو النجا ، والأستاذ/ جمال سلطان، والدكتور/ أحمد كريمة، والشيخ/ محمد وسام الدين، والدكتور/ مازن النجار، والدكتور/ كمال حبيب، والشيخ/ نشأت أحمد، والشيخ/ أبو بشير السعدي، والدكتور/ عثمان عبد الرحيم، والدكتور/ مدحت عبد الباري، والأستاذ/ عامر عبد المنعم، والدكتور/ حمدي عبيد”

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه..
أما بعد..

فهذه الوثيقة محاولة لترتيب البيت الدعوي من داخله.. والاتفاق على جملة من الضوابط وإشارات السير التي تمنع التصادم.. لا شأن لها في هذه المرحلة بالمحتوى الدعوي وتحرير القول في قضايا الاتفاق والاختلاف العلمي.. فلذلك مكانه في وثيقة أخرى مستقلة قادمة بإذن الله. 
وإنما غاية السعي في هذه الوثيقة هو الاتفاق على معالم ضابطة في المشهد الدعوي تمنع البغي والاستطالة.. وترفع النزاع بين أطياف العمل الإسلامي وتمهد لمناقشة أعمق يجتمع الناس فيها على كلمة سواء بإذن الله.
لقد دخلت الدعوة مرحلة جديدة كل الجدة بالقياس إلى ما عاشته في ظل سنوات القهر والطغيان السابقة.. لقد سقطت دولة الظلم وتهاوت عروشه! 
ولكن فلوله وأذياله لا تزال تعيث في الأرض فساداً.. وليس لها في بغيها وفسادها حريجة من دين أو من خلق!. 
ولقد تنفس العمل الدعوي الصعداء لأول مرة في تاريخه.. وتتابعت على المشهد الدعوي صور ومواقف لا عهد له بها من قبل.. قوافل دعوية تجوب البلاد يمنة ويسرة لا تخاف إلا الله والبلطجية الذين لا زالت فلولهم تجوس خلال الديار في بعض المواقع!. 
إعلان عن تشكيلات وأحزاب بمجرد الإعلان لقاءات عبر القنوات التليفزيونية الحكومية وغير الحكومية مع دعاة لم تتجاوز طموحات كثير من أحبابهم طوال الحقبة الماضية أن يروهم في دروس مغلقة محدودة في مساجدهم! استنفار علماني لتشويه رموز التدين واختلاق الأكاذيب والتهم وإلصاقها بهم وانفلات أمني متعمد وغير مسبوق. 
إن بلدنا وقد أصابها هذا الزلزال لفي مسيس الحاجة إلى أن يتداعى المصلحون.. والذين يأمرون بالقسط من الناس حول وثيقة شرف للعمل الدعوي والوطني.. تكون بمثابة خارطة طريق لهم.. يعرفون من خلالها: 
ماذا يأخذون وماذا يدعون؟ وما فقه هذه المرحلة؟ وما أولوياتها؟ وما طبيعة العلاقات التي ينبغي أن تحكم المنتسبين إلى المشهد الدعوي في هذه المرحلة؟ ولكي تكون بداية لمراجعات فكرية ومنهجية في ضوء ما تقتضيه هذه المتغيرات الجديدة.. ومن هنا كانت هذه الوثيقة.
لقد حددت جمعية الفكر الوسطي للبحوث والدراسات مع النخبة الكبيرة من العلماء والدعاة والخبراء الذين تحاوروا حول مضمون هذه الوثيقة.. أن يكون خطابها محددا ً بالمجتمع المصري مع إدراك قابلية كثير من بنودها للتطبيق في المجتمعات الأخرى.
أسس وضوابط في العمل الدعوي


التركيز في الخطاب الدعوي على بناء الإيمان، وإحياء الربانية.. وتصحيح المفاهيم.. واستفاضة البلاغ بما لا يسع المسلم جهله من حقائق الإسلام عقائد وشرائع.. وتوجيه العامة إلى طلب العلم النافع.. وتهيئة الآليات والوسائل التي تعين على ذلك. 
إحياء قضية الاحتكام إلى الشريعة طواعية على مستوى الأمة أفرادا وهيئات ومؤسسات.. ليتكامل ذلك مع السعي إلى تحكيمها رسميا على مستوى الدولة.. فإن تحكيم الشريعة ليس تكليفا يتجه إلى القيادة السياسية فحسب.. بل هو تكليف يتجه إلى الأمة كلها.. وعلى قيادات المشهد الدعوي أن ترتب من الآليات ما يعين على تحقيق ذلك
إحياء فريضة الاهتمام بأمور المسلمين وقضاء حوائجهم المعيشية، واتساع دائرة اهتمامات العمل الإسلامي لتشمل المشاركة في رفع المعاناة اليومية عن عموم الناس، اقتصاديا واجتماعيا، وتنمية قدراتهم، وتأهيلهم مهنيا وتقنيا، واعتبار ذلك جزء من النصح للأمة والاهتمام بأمرها.
ضرورة المراجعة الدقيقة لأطروحات العمل الإسلامي التي سادت المشهد الدعوي طوال حقبة القهر والتسلط السابقة.. لاسيما ما بني منها على خصوصيات زمانية أو مكانية. 
فقد جد في المشهد من تبدل المناخ وتهاوي عروش البغي ما يستوجب هذه المراجعة، ولعل فيما جرى من مراجعات قديما وحديثا وفي انتفاع الأمة بها آية على قيمة هذه المراجعات ومسيس الحاجة إليها.
ومن تطبيقات هذه المراجعة:

مراجعة الموقف الفكري تجاه أهمية الإصلاح السياسي الذي طالما اتخذت منه الحركات الإسلامية موقفا متوجسا يغلب عليه هاجس الخوف من الفتنة. 
والمراجعة الشفافة لفريضة الجهاد وإعادة الاعتبار إلى هذه الفريضة، وضبط شروطها ومناطاتها الشرعية، والتنبيه على إشكالات تطبيقها في واقعنا المعاصر، والموقف الفكري من مبدأ التداول السلمي للسلطة. 
واهتمام القادة والرموز بعالمية الدعوة بحيث يصبح هذا مزاجا ً ثابتا ً يظهر فيه التداعي بالسهر والحمى عند شكوى عضو في الجسد الإسلامي! 
ونحو ذلك من القضايا التي تمس الحاجة إلى مراجعتها وتجديد الخطاب بشأنها.
التأكيد على وجوب المحافظة على الجماعة والائتلاف.. وتجنب الفرقة والاختلاف.. فكل من أمكن تألفه والاتفاق معه من أهل السنة بمفهومه العام على مشترك من البر والتقوى فلا ينبغي أن يصار إلى استعدائه. 
ولاسيما في مرحلة الدفع العام.. ومسيس حاجة المشهد الدعوي بجميع أطيافه إلى الاصطفاف في خندق واحد، والاجتماع على مشترك من البر والتقوى والمصالح العامة.
تجنب الدخول في المعارك المفتعلة في المسائل الاجتهادية والقضايا الجزئية التي تستنزف طاقات أهل الدين.. وتفتن العامة وتصدهم عن الدعوة والدعاة.. فإن الاختلاف في الأحكام الفقهية الاجتهادية ومسائل السياسة الشرعية أكثر من أن ينضبط.. ولو كان كل ما اختلف مسلمان في أمر تنازعا وتهاجرا لم تبق بين أهل الإيمان عصمة ولا أخوة قط.
الاهتمام بالأبحاث التي تميز المحكم من المتشابه، والقطعي من الظني في قضايا العمل الإسلامي المعاصر، ليجتمع الناس على الالتزام بالمحكمات والقطعيات، والتغافر في المشتبهات والظنيات، ولكي لا يحدث غلو في متشابه ظني، أو تفريط في محكم قطعي.
ضرورة التفريق بين مقام الدعوة وما يقتضيه من الترغيب والترهيب، ومقام إجراء الأحكام وما يقتضيه من الدقة في تحرير المناط، واستجلاء القصود والبواعث.
واعتبار الملابسات التي تحيط بالمخالفات وأصحابها زمانا ومكانا ونحوه.. وذلك منعا للبس والإيهام الذي ينتجه الخلط ما بين المقامين في قراءة بعض آثار الدعاة.. وما قد يترتب على ذلك من الشطط والغلو. 
رفع الهمم للتشوف إلى إقامة الدين كما أنزله الله، والارتفاع بسقف الطموحات إلى تغيير جميع المنكرات، ولا يتعارض هذا مع القبول المرحلي بالممكن والمتاح في الحال، وتهيئة الأسباب لما يمكن تحقيقه في المآل، خشية أن يفضي الإصرار على غير المتاح في الحال إلى فقد المتاح وغير المتاح في الحال وفي المآل! 
شمولية الاعتقاد لا تعني بالضرورة شمولية العمل، وشمولية الدعوة لا تعني بالضرورة شمولية الحركة.. فالحركة والعمل تحكمهما ضوابط القدرة وغلبة المصلحة.. وتختلف مساحتهما من وقت إلى آخر تبعا لاختلاف المتاح والممكن. 
أما التصور أو الاعتقاد فلا سلطان لأحد عليه ، لأنه لا يملك ما في القلوب إلا علام الغيوب ، فيجب أن يكون التصور والاعتقاد شاملا وجازما في جميع الأحوال.
التسكين القانوني للأعمال الدعوية ما أمكن، من خلال إنشاء المؤسسات والجمعيات والمعاهد العلمية والدعوية والإغاثية الراعية لها وتسجيلها، توطينا للأعمال الدعوية في دائرة المشروعية، وإقصاء لها – ما أمكن – عن المشكلات القانونية والاحتقانات الأمنية
الأصل في أعمال الدعوة العلانية، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا كما قال عمر بن عبد العزيز، فينبغي تجنب السرية في الأعمال الدعوية، دفعا لما تجره من توجسات واختناقات لا وجه لها
كما يكون الابتلاء لرفعة الدرجات قد يكون عقوبة على بعض السيئات، فلا يعني دائما التضييق على الدعوة أنها تمضي على سنن الرشد، بل قد يكون ذلك بسبب شيء من التفريط في تحري المنهج الصحيح في السعي لإقامة الدين، والأقدار لا يحتج بها في تسويغ المعايب، وإنما يتعزى بها عند نزول المصائب، فينبغي اعتبارا ذلك وتجديد المراجعات في ضوئه
أسس وضوابط في العلاقة بين العاملين في العمل الدعوي


عدم نقل الاختلافات بين الدعاة في المسائل الاجتهادية إلى المنابر العامة ما أمكن.. فإن هذا أعون على احتواء النزاع، وتقبل أطرافه للحق، ورجوعهم إلى جادته، ولهذا فإن الأصل أن تحل مثل هذه النزاعات داخليا ومن خلال الآليات والوسائط الإسلامية.
ضبط الخطاب الدعوى.. والاحتراز من صيغ الاستبداد بالرأي، وإحياء فقه الاختلاف، وإشاعة ثقافة إنصاف المخالف في الرؤى والأفكار، وتقبل ما كان من آرائه موافقا للحق، ونصحه فيما كان مخالفا له، وتغليب روح الترفق والمواساة في الدعوة إلى الله عز وجل، والمراوحة بين الترغيب والترهيب، مع تقديم الترغيب وتغليبه. 
السعي لأعمال ذات أهداف مشتركة تجمع أطياف العاملين على الساحة الإسلامية ممن تشملهم مظلة أهل السنة والجماعة في الجملة.. مما قد يزيل الآثار السلبية لمنازعات يجب توقيها في المرحلة المقبلة. 
التعاون مع المؤسسة الدينية الرسمية، وتقديرها وإنزالها منزلتها، والتواصي معها بالرأي والمشورة والنصح عند الاقتضاء، ليتكامل العمل الرسمي مع العمل الشعبي في إقامة الدين، وتحقيق النفع العام لجماعة المسلمين.
لا إنكار على المخالف في مسائل الاجتهاد، ما دام قد صدر في مخالفته عن اجتهاد أو تقليد سائغ.
لا يعرف الحق بالرجال، بل يعرف الرجال بالحق.. وكل الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب الرسالة (صلى الله عليه سلم)، ولا تلازم بين الخطأ والإثم، فقد رفع الله المؤاخذة عن المخطئ، وقاعدة رفع الإثم عن المجتهدين عامة في الأمور العلمية والأمور العملية، ما داموا متجردين للحق. 
ولا يشنع على من عرف بالفضل والسابقة من أهل العلم بسبب ما قد يصدر عنهم أو ينسب إليهم من زلات، ولا يتنافى هذا مع اطراح زلاتهم التي عرف أنها من قبيل الزلل البحت والخطأ المحض.
من أقر في الجملة بالتوحيد والرسالة ثم تلبس ببعض طوارق الشرك أو الكفر جهلا أو لسوء تأويل.. فلا ينتقض بذلك أصل إقراره.. إلا إذا أصر على ذلك بعد البلاغ وإقامة الحجة.. ولا تقام مقتضيات هذا الحكم إلا من خلال القضاء الشرعي.. فلا يجمل بالدعاة الدخول في هذه المضايق درءً لما تجره من الجدل والفتن. 
حرية الاعتقاد الفكري وإبداء الرأي بالقول والكتابة أو نحوهما حقوق مشروعة، ما لم يكن فيها مساس بقطعيات الشريعة، وخروج على ثوابتها اليقينية المجمع عليها، ولا ينبغي لأحد من العاملين في مجال الدعوة المصادرة على حق أحد في ذلك.
المعارضة السياسية ليست احترافا في المنهج الإسلامي، فليس للمشتغلين بالشأن العام من الإسلاميين معارضة كل ما يأتي من قبل مخالفيهم صوابا كان أو خطا، على النحو الذي يجري عليه الحال في المعارضات العلمانية.. بل يتعين عليهم أن يقولوا للمصيب أصبت، كما يقول للمخطئ أخطأت.. لأنهم لا يعارضون لمجرد المعارضة. 
بل ينطلقون في معارضاتهم من قاعدة الحسبة: “أمرا ً بالمعروف متى ظهر تركه، ونهيا عن المنكر متى ظهر فعله، مع تحري الحكمة في تخير الأسلوب المناسب، وتحين الوقت الملائم في ذلك كله”.
مشروعية الاجتماع على أعمال الخير والتعاقد على ذلك والتزام الطاعة لقيادة في هذا الاجتماع في غير معصية مما يتسع له النظر الشرعي وتدعمه الأصول والأدلة الشرعية ، على أن لا يفضي ذلك إلى التعصب الحزبي الذي يحمل على تعصب الشخص لمن كان معه بالحق وبالباطل.. والإعراض عن من لم يكن معه سواء أكان على الحق أم على الباطل. 
فإن أفضى إلى ذلك توجه القول بمنعه ، ولعل مرد ما شاب هذه التجمعات الدعوية في واقعنا المعاصر من شائبة تعصب مرده إلى الكبت والاستبداد ودسائس الخصوم.
التجمعات الإسلامية المعاصرة لبنات في بنيان جماعة المسلمين.. وخطوات عملية في الطريق إلى إقامتها بمفهومها العام والشامل، ما استقامت على منهج أهل السنة، وبرئت من عقدة التعصب الحزبي أو الطائفي. 
ولا بأس بتعدد هذه التجمعات على أساس التخصص والتكامل، مع الاتفاق في الأصول الاعتقادية ، والتغافر والتناصح في المسائل الاجتهادية ، والتقائها على وحدة الموقف في المهمات والمسائل العظام، وبهذا يصبح تعددها تعدد تنوع وتخصص.. وليس تعدد تنازع وتضاد.
حق تكوين الجمعيات والنقابات والانضمام إليها من الحقوق المشروعة، ولا يحظر منها إلا ما يكون مخالفةُ لقطعيات الشريعة وخروجا على ثوابتها المجمع عليها. 
أو ما يكون جالبا للشرور والمفاسد على الإسلام والمسلمين كالعمل السري أو المسلح في مثل ظروفنا في بلادنا المسلمة.
دعم العمل الإسلامي العام الذي يدور في فلك الأمة بمفهومها الواسع، ليتكامل مع العمل الإسلامي التنظيمي أو المؤسسي التي جرت عليه الجماعات الدعوية في واقعنا المعاصر، استيعابا لطاقات الرموز الدعوية الكبرى التي يعسر حسبانها على فصيل معين من فصائل العمل الإسلامي، ولا يجمل إلا أن تكو ن ملكا لكل الأمة.
العمل السياسي لنصرة الدين من خلال الأحزاب السياسية والمقاعد البرلمانية أسلوب معاصر من أساليب التأثير في الواقع بغية استصلاحه كليا أو جزئيا ً.. وهو يدور في فلك الموازنة بين المصالح والمفاسد.. وتختلف فيه الفتوى باختلاف الزمان والمكان والأحوال ، وهو كغيره من الأعمال لابد لمشروعيته من ضوابط يتعين التزامها، ومحاذير يتعين اجتنابها، حتى تمضي أعماله على سنن الرشد.
يفرض على الكفاية اشتغال بعض أهل الدين بالعمل السياسي ممن آنسوا من أنفسهم القدرة على ذلك، ويجب على غيرهم مؤازرتهم على ذلك، متى رجحت مصلحته على مفسدته.. شريطة أن لا تستنفد فيه الطاقات، وأن لا يحمل على الاستطالة على الآخرين، وأن لا يكون بديلا عن الاشتغال بالأعمال الدعوية أو التعليمية أو التربوية
الحراك السياسي العام لأهل الدين في المجتمعات ذات التنوع الثقافي ينبغي أن يكون حراكا ً إسلاميا ً وليس حراكا حزبيا ً، ولا يصلح دخول أهل الدين فيه وهم أوزاع متفرقون، لا يضبطهم ضابط، ولا يجمع شتات مواقفهم جامع، فإذا لم يتسن الانطلاق في مسيرة واحدة فلا أقل من أن يكون حراكهم العام عن رضا وتشاور من الجميع من خلال التحاور والتنسيق.
تغيير المنكر باليد مناطه القدرة والولاية، ومرده إلى الدولة في المقام الأول لعموم ولايتها وظهور شوكتها، ثم إلى كل مسلم فيما كانت له فيه ولاية خاصة، كولايته على زوجه وأولاده القصر، أو ما كان إنكاره فيه مأمون العاقبة بحيث لا يفضي إلى مفاسد راجحة، كتغيير المناكر التي تتفق الشريعة والقوانين المعاصرة على إدانتها أو نحو ذلك مما كان مأمون العاقبة.
تألف العصاة على التوبة واستحياؤهم بها أحب إلى الله من إهلاكهم بالإصرار والمحادة، فينبغي الرفق في الإنكار عليهم، وتجنب الاستعلائية في التعامل معهم، أو تجاهل انتسابهم إلى جماعة المسلمين ما امتهد سبيل إلى ذلك، لاسيما في أزمنة الفتن وغربة الدين وشيوع الجهالة وقلة العلم بآثار الرسالة، اللهم إلا المعاندين والذين ظلموا منهم، وأولى من ذلك تجنب الاستعلائية في التعامل على المتدينين من مدارس أو جماعات أخرى.
الانفتاح على أعمال الخير، والمشاركة فيها، والإعانة عليها، ما امتهد سبيل إلى ذلك، وإن صاحبها قصور في بعض الجوانب، فإن التعاون على مشترك عام من الخير والصلاح.. وإن تباينت المناهج والمنطلقات مما يتسع له النظر الشرعي في أوقات الدفع العام، تأسيسا على أن مبنى الشريعة على قاعدة تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنه لا ينبغي أن نعتب على أحد معه نور فيه ظلمة ما دام لم يحصل لنا نور لا ظلمة فيه.
القبول بالتدرج المرحلي المنضبط في تطبيق الأحكام الشرعية عند الاقتضاء بسبب استفحال الفساد وتشعب مجالاته، فإن الضعف عن تطبيق بعض الأحكام كما يتصور على مستوى الأفراد، قد يتصور على مستوى الدول، ويرجع في جدولة ذلك إلى الثقات من الفقهاء والخبراء.
في العلاقة بين أبناء الوطن الواحد

لما كان الاحتقان الطائفي معوقا للجهود الدعوية ومبددا لجهودها وطاقاتها فقد حرصت الوثيقة على أن تتضمن بعض المعالم التي تحكم العلاقة بين أبناء الوطن الواحد، فكانت هذه الفقرة.
البر والقسط هو أساس العلاقة في التعامل مع المسالم لأهل الإسلام من غير المسلمين محليا وعالميا، ولا يكون اختلاف الدين مبررا لظلم أحد أو الاستطالة عليه، ومن البر بهم والنصح لهم دعوتهم إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يتنافى ذلك مع الإقرار بوجود التعددية الدينية، وحماية حق المخالف في الدين في إقراره وما يدين، فإن الإقرار بوجود الأديان لا يعني الإقرار بصحتها جميعا ً.
الأصل هو المشاركة في تحقيق الصالح العام للمجتمع من قبل أبنائه جميعا مهما اختلفت مشاربهم أو تباينت عقائدهم، فإن مبدأ التعاون على البر والتقوى شريعة عامة، بالإضافة إلى كون ذلك وسيلة من وسائل تماسك النسيج الاجتماعي للدولة، والحيلولة دون اختراقه من قبل الخصوم.
المواطنة رابطة للتعايش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، مهما اختلفت مشاربهم أو تباينت عقائدهم، ويترتب عليها واجبات وحقوق متبادلة، وتجعل أصل حرمة الدماء والأموال والأعراض مشتركا بين الجميع، ولا مساس بشيء من ذلك إلا وفق أحكام الشريعة الإسلامية، ومن خلال الأحكام القضائية النهائية.
أخوة الدين لا تنفي ما عداها من أخوة النسب أو أخوة القبائل والشعوب، أو الأوطان، أو الإنسانية، ولا تتنكر لما ينشأ عنها من حقوق وتبعات، ما لم تفض إلى إبطال حق أو إحقاق باطل.. فللأخوة دوائر متداخلة وليست في أصلها متقاطعة، وفي مقدمتها أخوة الدين، ولكل مستوى منها حقوق وعليه واجبات أقرها الإسلام.
الانتماء الوطني أو القومي عاطفة جبلية مشروعة ما لم تتحول إلى عصبية وحمية جاهلية، ومحبة أهل الدين محبة دينية لا تنفي ما تنشئه القرابة والصلات الاجتماعية من محبة فطرية، ما لم يتضمن مشايعة على باطل، أو انتقاصا من حق، والفخر بالألوان أو الأجناس أو الألسنة واتخاذه ذريعة إلى الطعن في الآخرين حمية جاهلية.
التعاون والمناصرة بين أهل الملة في الوطن الواحد لا ينفيان ما تنشئه المعاهدات والمواثيق المشروعة بين بني البشر عامة من نصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وإن كان من غير المسلمين، والإنكار على الظالم ومنعه من الظلم، وإن كان من المسلمين، لعموم مبدأ التعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان.
التقريب بين الأديان تعبير مجمل

فإن قصد به الدعوة إلى الله تعالى، والقيام بحجته على عباده، في أمم تجهله، وأوساط تنكره، أو قصد به السعي لإيجاد تعايش آمن بين أصحاب الديانات المختلفة تحقن به الدماء وتسكن به ثائرة الفتن، أو قصد به التوصل إلى صيغة لتحقيق المصالح الحياتية المشتركة بين البشر، لاسيما بين من ينتمون إلى إقليم واحد أو تجمعهم روابط مشتركة تمس الحاجة معها إلى مثل هذا التعاون فهذا كله مقصود مشروع وغاية محمودة.
أما إن قصد به الدمج بين الأديان، والخلط بين الملل، والسعي إلى إيجاد إطار عقدي مشترك يمسخ خصوصياتها العقدية، فذلك عدوان على الملل جميعا. 
بل هو الغش الديني والثقافي الذي يتجاوز في خطره وضرره الغش التجاري الذي تجرمه النظم والقوانين في مختلف الثقافات والحضارات!
الأحد الموافق
19-6-1432هـ
22-5-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق